جمعية التتمية اللبنانية
علوم
نقلاً عن الجزيرة.نت
في قبو جامعة جنوب الدانمارك (University of Southern Denmark) رُصَّ 9479 دماغاً تمت إزالتها جميعاً من جثث مرضى الصحة العقلية على مدار 4 عقود حتى الثمانينيات، وتستخدم هذه المجموعة حاليا في 4 مشاريع بحثية.
ووفق وكالة الصحافة الفرنسية فقد تمت الاستعانة بمادة الفورمالين لحفظ مجموعة الأدمغة تلك، والتي يعتقد أنها الأكبر في العالم. ووزعت المجموعة في دلاء بيضاء كبيرة تحمل أرقاما.
وصرح خبير تاريخ الطب النفسي جيسبر فاسي كراغ بأن الطبيب النفسي الدانماركي البارز إريك سترومغرين (Erik Stromgren) كان قد جمعها خلال بحثه التجريبي الذي بدأه في عام 1945.
واعتقد سترومغرين وزملاؤه آنذاك أنه “ربما يمكنهم اكتشاف شيء ما حول مكان توطين الأمراض العقلية”. وتم جمع الأدمغة بعد إجراء تشريح لجثث الأشخاص من معاهد الطب النفسي في جميع أنحاء الدانمارك ولم يؤخذ الإذن من المتوفين ولا من عائلاتهم.
نصف المرضى النفسيين الذين ماتوا بين عامي 1945 و1982 جمعت أدمغتهم دون موافقة (الفرنسية)
ووفق تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” (CNN)، يقدر توماس إرسليف، مؤرخ العلوم الطبية واستشاري الأبحاث بجامعة آرهوس، بأن نصف المرضى النفسيين الذين ماتوا في الدانمارك بين عامي 1945 و1982 أسهموا -دون علم ودون موافقة- بأدمغتهم التي تم تحويلها إلى ما أصبح يعرف باسم معهد أمراض الدماغ المرتبط بمستشفى ريسكوف للطب النفسي في آرهوس في الدانمارك.
غياب الوعي حول حقوق مرضى العقل
وقال جيسبر فاسي كراغ “كانت تلك مستشفيات عقلية تابعة للدولة ولم يطرح أحد من الأشخاص خارج أسوار المستشفيات أي أسئلة حول ما يجري في تلك المؤسسات”، إذ لم تكن حقوق المرضى محط اهتمام في ذلك الوقت، واعتقد المجتمع آنذاك أنه بحاجة إلى الحماية من هؤلاء الناس وفرض القانون تعقيم الأشخاص بالمؤسسات العقلية في الفترة ما بين عامي 1929 و1967.
وكان عليهم الحصول على إعفاء خاص من أجل السماح لهم بالزواج حتى عام 1989. كما اعتبرت الدانمارك “المرضى العقليين” عبئا على المجتمع وأنهم سيتسببون بكل أنواع المشاكل فيما لو أطلق سراحهم وسمح لهم بإنجاب الأطفال وما إلى ذلك من تبعات.
وأدى تطور إجراءات ما بعد الوفاة والوعي المتزايد بحقوق المرضى إلى وقف إضافة المزيد من الأدمغة للمجموعة في عام 1982. ثم تبع ذلك نقاش طويل وساخن حول ما يجب فعله بها وقرر مجلس أخلاقيات الدولة الدانماركي في نهاية المطاف أنه يجب الحفاظ عليها واستخدامها في البحث العلمي. وفي عام 2018 تم نقل الأدمغة -التي كانت موجودة منذ فترة طويلة في آرهوس في غرب الدانمارك إلى جامعة جنوب الدانمارك في أودنسي.
في عام 2018 تم نقل الأدمغة التي كانت موجودة في آرهوس إلى جامعة جنوب الدانمارك في أودنسي (الفرنسية)
كبسولة زمنية لأمراض الدماغ
وأوضح تقرير بموقع “ساينس ألرت” (Science Alert) أنه وعلى مر السنين غطت الأبحاث التي أجريت على الأدمغة المحفوظة مجموعة واسعة من الأمراض، بما في ذلك الخرف والفصام والاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب.
وقال اختصاصي علم الأمراض مارتن ويرينفيلدت نيلسن إن الجدل الدائر حول مجموعة الأدمغة قد “انتهى جذريا، ويرى الناس الآن بأنه بحث علمي مثير للإعجاب ومفيد للغاية في معرفة المزيد عن الأمراض العقلية”.
ما يميز هذه المجموعة عن أي مجموعة أخرى في العالم هو أن الأدمغة التي تم جمعها خلال العقد الأول لم تمسها الأدوية الحديثة، ما يمكن اعتباره كبسولة زمنية من نوع ما للأمراض العقلية. وحاليا تستخدم سوزانا أزنار عالمة الأحياء العصبية والخبيرة في مرض باركنسون والتي تعمل في مستشفى أبحاث في كوبنهاغن المجموعة كجزء من مشروع بحث فريقها.
وقالت أزنار “إن تلك الأدمغة فريدة من نوعها من حيث إنها تمكن العلماء من رؤية آثار العلاجات الحديثة بمن يتم علاجهم بالعلاجات التي لدينا الآن”، فقد تكون أدمغة المرضى في الوقت الحاضر قد تغيرت بسبب العلاجات المختلفة التي خضعت لها، وبالتالي عندما نقارنها مع مجموعة الأدمغة المحفوظة سنتمكن من معرفة “ما إذا كانت هذه التغييرات مرتبطة بنوع العلاجات”، وفق أزنار.