تعرف على “المنتجات الطبيعية” التي يمكن أن تغنيك عن البلاستيك

إلا أن المصيبة الحقيقية هي في اعتمادنا المفرط على تلك المواد البلاستيكية المُعدة للاستخدام لمرةٍ واحدة. فالبلاستيك بات في كل مكان: من النقل إلى الصناعة إلى قطاع الخدمات الغذائية، ومحاربة هذا “التلوث الأبيض” تتطلب أن نرى تغيراً وتحولاً في تلك المادة نفسها.

ولحسن الحظ، يحول العلماء والمهندسون والمصممون حالياً اهتمامهم نحو التركيز على بدائل صديقةٍ للبيئة، من شأنها خلق منظوماتٍ بيئيةٍ تنتج عنها كمياتٍ أقل من النفايات، وتخضع المواد الداخلة فيها لنظام تدوير.

ومن أمثلة هذه البدائل؛ ما يعرف بـ”الخشب السائل” أو تجارياً باسم “أربوفورم”، والطحالب التي تُستخدم في عمليات العزل الحراري، وبدائل مركب البوليمر المُعدة من النشا النباتي المتخمر، مثل الذرة أو البطاطس.

ولا تقتصر فوائد هذه الخيارات البديلة على مواجهة الاعتماد المتزايد على البلاستيك فحسب، بل تمتد إلى معالجة قضايا من بينها ضمان أمن وسلامة عمليات إسكان أعدادٍ متزايدةٍ من الناس، وموازنة الضرر الناجم عن الانبعاثات الكربونية وإلغاء أثره، وكذلك إعادة المواد المُغذية إلى الأرض.

الصوف الصخري

يتطلب تحويل أحد أكثر موارد العالم وفرةً إلى شيءٍ مفيد وذي طبيعةٍ مستدامة اللجوء إلى عملياتٍ كيمياويةٍ خاصةٍ. الحديث هنا عن “الصوف الصخري”، وهو مادة تُستمد من الصخور البركانية الطبيعية، من ذلك النوع الذي يتشكل بعد أن تبرد الحمم البركانية، ومن منتجٍ ثانويٍ لصناعة الصلب يعرف باسم “الخبث”. إذ يتم صهر هاتين المادتين معاً وتشكيلها في صورة أليافٍ، تشبه قليلاً حلوى “سكر النبات” أو “غزل البنات”.

ويختلف “الصوف الصخري” في استخداماته عن استخدامات مواد مثل “الصوف الزجاجي”، الذي يُصنّع من الزجاج المُعاد تدويره، و”البلاستيك الرغوي”، وهو عبارةٌ عن مادة تُستخدم في أغلب الأحيان لمنع انتقال الحرارة في أماكن مثل الأسقف والأسطح وكذلك في المناطق منخفضة الارتفاع في المباني التي تُمد فيها الأسلاك أو الأنابيب.

ويتمثل وجه الاختلاف في إمكانية تصميم “الصوف الصخري” على شاكلةٍ من شأنها تعزيز خصائص وصفاتٍ متفردةٍ، من قبيل تعزيز القدرة على مقاومة ألسنة اللهب والحرائق، وزيادة إمكانيات تلك المادة على صعيدي العزل الصوتي والحراري، بجانب تدعيم مقاومة المياه وإبعادها، والقدرة على التحمل والصمود في ظل الأحوال الجوية القاسية.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، اكتسبت هذه المادة جاذبيةً ما في أعين المهندسين المعماريين والمصممين المهتمين بمراعاة المعايير البيئية في عملهم، وذلك في ضوء بحثهم عن مواد بناء مستدامةٍ بشكلٍ أكبر، تتسم بالفعالية من حيث التكاليف وتتصف بالطابع الجمالي في الوقت نفسه.

ومن بين المؤسسات الرائدة في مجال تصنيع “الصوف الصخري”؛ شركة “روكوول غروب”، التي تدير مصانع متخصصةً في هذا المضمار في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا. وقد تولت الشركة تركيب تلك المادة في مبانٍ صناعيةٍ وتجاريةٍ في أنحاء شتى من هذا الكوكب، بما في ذلك قبة الألفية التي تعرف باسم “أو 2 أرينا” في لندن ومطار هونغ كونغ.

علاوةً على ذلك، قد يعطي “الصوف الصخري” قدراً أكبر من الأمان لأصحاب المنازل في حال تعرضهم لكوارث طبيعيةٍ، وذلك في وقت تتزايد فيه وتيرة وخطورة الفيضانات وحرائق الغابات.

“مايكوتيكتر” أو البناء بالفطر

لا يشكل فطر “عيش الغراب” مجرد إضافةٍ ذات نكهةٍ قويةٍ لأطعمةٍ مثل الـ “رافيولي” (عجينة المعركرونة المحشوة) أو”راغو” (أكلة ايطالية من المعكرونة واللحم بصلصة خاصة)، فهذه الفطريات التي تتشبث بالأشجار وكأنها تعانقها أو تغطي أرض الغابات، قد تحل قريباً محل مواد من قبيل البوليستيرين “البلاستيك الشفاف” وتلك المواد التي تُستخدم في العزل الحراري، والعزل الصوتي، وكذلك في التغليف بشكلٍ يحمي ما بداخلها، بل وقد يُستعاض بها عن الأثاث والمنتجات الجلدية كذلك.

وفي هذا الصدد، يعكف فريقٌ مُؤلفٌ من مهندسين ومصممين وعلماء مُبتكرين ومُبدعين – يحمل اسم “مايكووورك” – على العمل من أجل استخراج الأنسجة النباتية من “عيش الغراب” وتشكيلها في صورة بنى جديدةٍ، وإعادة تنظيم ما يتألف منه هذا الفطر لجعله مماثلاً للمواد العضوية المتينة الأخرى، مثل المطاط أو الفلين.

وتستخدم شركةٌ أخرى تحمل اسم “إيفوكاتيف ديزاين” تتخذ من مدينة نيويورك الأمريكية مقراً لها، “الغزل الفطري”- وهو الجزء النباتي الأخضر الموجود في الفطر – كعامل ربطٍ بين الألواح الخشبية بعضها بعضاً، وتستعين بها كذلك في عمليات التغليف على نحوٍ يمنع اندلاع الحرائق.

ويتألف الفطر من شبكةٍ من الشعيرات، التي يُطلق على الواحد منها اسم “الخيط الفطري”. وعندما تتهيأ ظروف النمو، يظهر – بشكلٍ مفاجئٍ في أغلب الأحيان – ما يُعرف بـ “أجسام الإثمار”؛ وهي بنى متعددة الخلايا متخصصةٌ في إنتاج خلايا التكاثر اللاجنسي التي يُعرف كلٌ منها باسم “البَوغ”. ولهذا يصبح من اليسير استنبات ما يمكن أن نسميه “منتجات الغزل الفطري”، وتبرعمها.

ويمكن أن يتم استنبات “الغزل الفطري” وسط كل أنواع النفايات الزراعية تقريباً (يمكن أن تفكر هنا في أشياء من قبيل نشارة الخشب وقشر الفستق). وينمو فطر “عيش الغراب” في ثنايا هذه المادة، التي يمكن قولبتها في أي شكل، ما يجعلها تُكوِّن مركبات بوليمر طبيعيةً، يمكن استخدامها في اللصق كأقوى أنواع الغراء.

وعبر تعريض ذلك الفطر لدرجات حرارةٍ معينة، تُسلب منه القدرة على النمو، وهو ما يعني ضمان ألا ينمو ويترعرع فجأة إذا ما تعرض للأمطار.

وعلى الرغم من أننا قد نتفق أو نختلف على ما إذا كانت أنواعٌ بعينها من “عيش الغراب”، التي تُؤكل وتُضاف إلى فطائر البيتزا على سبيل المثال، أفضل من نظيراتها التي تُستخدم في اللصق أم لا، فإن الشيء المؤكد والواضح أن المستقبل هو لذاك الفطر بلا ريب.

قوالب طوب من البول

يُسهم الأسمنت – وهو المكون الرئيسي للخرسانة – في حدوث نحو 5 في المئة من الانبعاثات الكربونية في العالم. وفي الوقت الراهن، يعكف الباحثون والمهندسون على العمل من أجل تطوير بدائل أقل استهلاكاً للطاقة الكثيفة أو توليداً لها، بما في ذلك قوالب طوبٍ تُصنّع من البقايا الصلبة التي تتخلف عن تحويل الشعير إلى جعة، وكذلك خرسانة صُنِعّت على غرار حواجز الأمواج التي ابتكرها الرومان القدماء. فقد كان هؤلاء يُعِدون الخرسانة من خلال خلط الجير والصخور البركانية لتشكيل ملاط أو مونة الأسمنت، وهي مادة شديدة الرسوخ والقوة. كما تشمل تلك البدائل قوالب طوبٍ مصنوعة من البول، نعم أنتَ لم تُخطئ في قراءة الكلمة!

ولعل الوقت قد حان لإلقاء نظرةٍ على الجهود البحثية لـ “بيتر تريمبل” الطالب في كلية أدنبرة للفنون، الذي كان يعمل – كجزءٍ من أطروحته – على تشكيل معرضٍ كان يُفترض أن يشمل نموذجاً للأشياء المُستدامة في العالم.

وعلى مدار عامٍ كاملٍ تقريباً، أجرى تريمبل مئات التجارب – التي ضخ خلالها محلولاً بكتيرياً في قالبٍ مملوءٍ بالرمل – حتى توصل إلى التركيبة المُثلى في هذا الشأن. فالميكروبات تؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث عملية تحويلٍ في هذا الخليط من الرمال واليوريا وكلوريد الكالسيوم، ما يُشكِلُ غراءً يربط جزئيات الرمال بعضها بعضاً بقوة.

ويوفر ذلك الحل الذي توصل إليه تريمبل – والذي يعتمد على عمليةٍ بيولوجيةٍ تنطوي على إجراء تحولاتٍ في الميكروبات بشكلٍ لا يستهلك سوى القليل من الطاقة – بديلاً للخيارات كثيفة الاستهلاك للطاقة. فـ “الأحجار الحيوية” لا توّلِد غازاتٍ مُسببةً للاحتباس الحراري على الإطلاق، وتُستخدم في إعدادها مواد خامٍ متاحةٌ على نطاقٍ واسع.

وعلى الرغم من أن هذا النوع من الطوب يتطلب تدعيماً وتعزيزاً لجعله بقوة الخرسانة، فإنه قد يمثل وسيلةً قليلة التكلفة، لتشييد أبنيةٍ مؤقتةٍ أو ما يُعرف بـ “أثاث الشوارع أو المدن”، وهو ذاك المتمثل في المقاعد الخرسانية التي توضع في الحدائق مثلاً، أو علامات الطرق أو إشارات المرور وغيرها.

وعلى أقل تقدير، أدى ظهور هذا النوع من “الأحجار” إلى إثارة نقاشٍ بشأن الطرق التي يمكن من خلالها جعل عمليات التصنيع على نطاقٍ واسعٍ تتم بشكلٍ أكثر استدامة، خاصةً في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وغيرها من البلدان النامية التي تتوافر فيها الرمال بيسرٍ وسهولة.

رغم ذلك فلهذه “الأحجار الحيوية” تأثيراتها السلبية على البيئة كذلك، فعملية تحول المواد بشكل بكتيري وهي تلك التي تُكسّبها القوة والصلابة، تحوّل اليوريا كذلك إلى نشادر، الذي يمكن أن يلوث المياه الجوفية إذا تسرب إلى البيئة.

خشبٌ مضغوطٌ “صديقٌ للبيئة” بشكلٍ أكبر

في واقع الأمر، لا يشغل الخشب المضغوط – المستخدم في الأثاث وخزائن المطابخ في مختلف أنحاء العالم – مكاناً في مواد البناء الصديقة للبيئة، على الرغم من أنه يبدو كذلك ظاهرياً.

ويعود السبب في ذلك إلى الغراء الذي يربط بين ألياف هذا النوع من الخشب، المؤلف من ألواحٍ صلبةٍ مصنوعةٍ من رقائق خشبيةٍ مضغوطةٍ ومكسوةٍ بالقشرة ومضاف إليها مادة صمغية. فهذا الغراء يحتوي عادةً على الميثانال أو الفورمالدهيد، وهو عبارة عن مركبٍ كيمياويٍ عضويٍ ذي رائحةٍ نفاذةٍ للغاية وعديم اللون وقابلٍ للاشتعال. ويُعرف ذلك المركب بأنه مُهيج للجهاز التنفسي ومُسَرطِنٍ كذلك.

ويعني ذلك أنه إذا كان لديك أثاثٌ مصنوعٌ من هذا النوع من الأخشاب، فعليك أن تدرك أنه ينفث سموماً بهدوء في الهواء المحيط.

وقد ابتكرت شركةٌ تحمل اسم “إن يو غرين” مادةً أطلقت عليها اسم “يوني بورد”، وهي مصنوعةٌ من أليافٍ خشبيةٍ خضعت لما يُعرف بعملية “إعادة التدوير قبل الاستهلاك” بنسبة 100 في المئة.

ويؤدي اللجوء إلى خياراتٍ مثل هذه إلى إنقاذ الأشجار من القطع للحصول على أخشابها، ويقلل من كمية ما يُلقى من مخلفات في مكب النفايات.

كما أن هذه المادة توِّلد كميةً من الغازات المُسببة للاحتباس الحراري، تقل كثيراً عن تلك الناجمة عن استخدام الخشب المضغوط التقليدي، فضلاً عن أنها لا تحتوي على أي مواد سامة.

ويعود ذلك إلى أن “يوني بورد” كانت رائدةً في استخدام أليافٍ متجددةٍ مثل سيقان نبات الذرة ونبات الجنجل الشائع أو حشيشة الدينار. بجانب ذلك، لا يُضاف إليه الميثانال” كمادةٍ صمغيةٍ بديلةٍ عن الغراء.

ولا يخفي على أحدٍ أن لعملية استخراج النفط الضرورية لإنتاج البلاستيك عواقب بيئيةً مدمرة. لكن الأسوأ من ذلك يبقى متمثلاً في مسألة التخلص من البلاستيك نفسه، فالمواد الكيمياوية السامة التي يحتوي عليها غالباً ما تتسرب إلى الأطعمة والمشروبات والمياه الجوفية.

ومن الصادم للمرء أن يعلم أن عمليات إعادة التدوير لا تؤدي إلا إلى إبطاء وتيرة رحلة المواد البلاستيكية إلى مكبات النفايات أو مياه المحيطات، حيث تنقسم هناك إلى أجزاءٍ أصغر وأصغر، لا تتحلل حيوياً بشكلٍ كاملٍ أبداً.

وتتوقع بعض التقارير أن كمية البلاستيك التي سينتهي بها المطاف في مكبات النفايات والمحيطات، ستصل بحلول عام 2030 إلى نحو 111 مليون طنٍ متريٍ.

لا شك أن اللجوء إلى عملية إعادة التدوير يمثل خطوةً على الطريق الصحيح، لكن لكي نقلب المسار بشكل كامل، ينبغي علينا أن نتجه إلى استخدام بدائل لدائن البلاستيك والموارد المتجددة، لكي ننعم بمستقبلٍ ذي طابعٍ مستدام.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future

http://www.bbc.com/arabic/vert-fut-47076341

الصفحات: 1 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *