خمس خرائط تقول إن العالم مقبل على كارثة

“يا له من عالم رائع”. عادة ما تُقال هذه الجملة ونظيراتها من مقولات الانبهار بكوكبنا في حال شاهدنا أحد وثائقيات الطبيعة الخلّابة، أو ربما حين نرفع رؤوسنا للسماء في ليلة صافية، أو حين ننظر إلى كل تلك المساحات الخضراء من نافذة الحافلة أثناء سفرنا من مدينة/دولة إلى أخرى، تلك اللحظات القليلة تعطينا شعورا بالراحة، وتدفعنا لبحور من التأمل.

 

حسنا، هل تعرف أين يقع اللون الأخضر في العالم؟ نسمع كثيرا أننا “الكوكب الأخضر”، كلما ازدهرت المساحات الخضراء ازدهرت معها الحياة وتنوعت وامتلأ الكوكب بالأكسجين، لكن ربما لا تعرف أننا، نحن البشر، قد قمنا باجتثاث معظم الغابات الأصلية في العالم، كما سترى في الخارطة المرفقة، والتي أصدرها1 مشروع مراقبة غابات العالم (Global Forest Watch)، حيث يمكنك أن تلاحظ بوضوح مفاجأة غير متوقعة بالمرة. باللون الأخضر ترى ما تبقى منها على كوكبنا، أما باللون الأرجواني سترى ما فقدناه منها خلال العقود القليلة الماضية!

 

خلال العام 2018 فقط، فقد2 العالم نحو 12 مليون هكتار من غاباته، يشبه ذلك أن تكون شبه جزيرة سيناء المصرية غابة خضراء بالكامل، ثم تختفي شيئا فشيئا في اثني عشر شهرا فقط، للوهلة الأولى تبدو المساحة طفيفة، لكن إذا قمت بحساب تلك القيمة على مدى عقود، علما بأننا لا نمتلك الكثير من اللون الأخضر على كوكبنا الآن، فلا بد أن النتيجة ستكون مرعبة، بالضبط كما حدث منذ قليل حينما تأملت الخارطة المرفقة، ذلك الشعور الذي يتعجّب قائلا: “ماذا؟! لم أكن أتصور أن هذا فقط هو مقدار الغابات في العالم!!”.

منذ اللحظة الأولى التي ظهر الإنسان فيها على كوكب الأرض، بدأ التغير. لقد امتلك البشر ميزة أصيلة فوق كل الكائنات الأخرى، وهي أنهم أدركوا مواطن ضعفهم قبل مواطن قوّتهم، لذلك فإنه يمكن أن نقول إن تاريخ البشر هو تاريخ للتجنّب، تجنب المفترسات، تجنب المرض، وتجنب الجوع. ولأجل الأخيرة تحديدا، كان ظهور الزراعة قبل نحو أحد عشر ألف سنة هو الفاتحة الأهم في تاريخنا، فقد تمكّنّا أخيرا من تجنب أشد أحمالنا، وهي حالة المجاعة الدائمة، وفقدان كل فرصة ممكنة لتوقع إن كان الغد سيحمل طعاما أم لا، بعد الجمع والالتقاط استقر البشر إلى جوانب الأنهار، زرعوا، أكلوا وشربوا، واطمأنت نفوسهم.

لكن مع تلك الطمأنينة، ازدادت أعدادنا، احتللنا معظم مساحات الكوكب، وغيّرنا شكل نصف سطح اليابسة الأرضية بالكامل وربما إلى الأبد، أزلنا الغابات من أجل زراعة النوع الواحد ومن أجل أن نبني مدنا تحتوينا ومن أجل الخشب ومن أجل استخراج زيوت نستخدمها في صناعات التجميل، في أثناء ذلك كلّه نهشنا من أشكال الحياة على سطح الأرض بحيث أصبح العصر الذي نعيش فيه هو مرحلة فاصلة في تاريخ الكوكب كله يظن الكثيرون من علماء البيئة أنها تُمثّل انقراضا3سادسا هائلا يحدث لأول مرة أن يكون السبب فيه هم البشر.

الحياة شبكة مترابطة، كل طرف فيها يخدم الآخر، ويُخدم من الآخر، هكذا كانت القوانين على مدى أربعة مليارات ونصف من السنوات. لكن البشر رفضوا أن يخدموا الحياة، وتقبلوا عطاياها كهدية غير قابلة للرد. مع الانخفاض المروّع لنسب الغابات الخضراء في العالم، ضمن أسباب أخرى، انخفضت أعداد الكائنات الحية بشكل هائل، في الخارطة المرفقة يمكن أن تلاحظ توقعات تقرير الحياة على الكوكب4 (Living Planet Report) الصادر قبل عدة أعوام لما يمكن أن يصل له العالم إذا استمر على الوتيرة نفسها وصولا إلى سنة 2090، المناطق الملوّنة بالأخضر فقط هي تلك التي ستكتسب أعدادا جديدة من الكائنات الحية، أما غير ذلك فسوف ينخفض بنسب تصل إلى أكثر من الثلث.

في تلك النقطة قد تسأل عن تلك المناطق التي ستكتسب أعدادا إضافية من الكائنات الحية، ومنها شمال أفريقيا والشرق الأوسط، السبب هنا هو الاحترار العالمي، فقد تكيّفت الكائنات الحية مع درجات حرارة محددة، طبيعة أجسادها والفسيولوجيا الخاصة بها ضُبطت بشكل دقيق جدا على مدى آلاف الأعوام مع مناخ الأرض، وكلما ارتفعت درجات الحرارة في منطقة ما أدى ذلك إلى اضطراب في حياة تلك الكائنات، هنا تضطر للهجرة شمالا بحثا عن درجات حرارة أقل بحيث تتمكّن من التكيف معها. لكن هذا لا يعني أن أعداد الكائنات الحية الكلية في العالم ستزيد، لأن الاضطراب المناخي، والذي يؤدي بدوره إلى اضطراب بيئي، يتسبب في خفض تعقّد5 النظم البيئية، بمعنى أن عددا أقل من الأنواع التي ستتجاوز التغيرات المناخية ستحل محل عدد أكبر الأنواع التي لن تتجاوز التغيرات المناخية، ما يجعلها أنظمة أكثر بساطة، وبالتالي، هشاشة.

 

الآن دعنا نتجهز للكارثة الثالثة، تسمع كثيرا عن التغير المناخي، لكن هل حاولت يوما أن تقارن بين أحوال العالم خلال العقود القليلة السابقة؟ ربما لا تعرف أن السنوات العشر6،7 الأكثر احترارا في تاريخ قياسنا لدرجات الحرارة وُجدت خلال السنوات العشرين الماضية. في الواقع، يمكن أن تتأمل ارتفاع متوسطات درجات الحرارة خلال ثلاثة عقود مضت فقط لترى الخارطة وهي تزداد احمرارا بوضوح شديد وكأنه جحيم قادمٌ ليلتهمنا.

تحافظ الحياة على ثباتها عبر درعين، الأول هو المناخ، والثاني هو التنوع البيولوجي، لكننا الآن نمر بعصر يواجه كلٌّ منهما خلاله مشكلات جمّة، يرى علماء المناخ، بأغلبية ساحقة، أن السبب الرئيسي في هذا الاضطراب هو نحن، البشر. فمع استخدامنا المستمر للوقود الأحفوري ارتفعت في الغلاف الجوي نسب ثاني أكسيد الكربون إلى معدلات قياسية لم يشهدها الكوكب خلال ثمانمئة ألف سنة سابقة، يرفع ثاني أكسيد الكربون من قدرة الغلاف الجوي على الاحتفاظ بالحرارة، ما يرفع من متوسطاتها عقدا بعد عقد.
       

لكن الخطر ليس كما تظن، ليس أن تكون درجات الحرارة 35 مئوية فتصبح 36.5 في ليلة صيفية حارة. ولكن اضطراب مناخ الكوكب يعبث بكل شيء آخر، على سبيل المثال، الآن بتنا نتعرض للموجات الحارة والأعاصير الرملية والترابية والموجات الباردة وغيرها من حالات الشذوذ المناخي بصورة أكثر قسوة مما مضى، ذلك لأن المناخ هو منظومة متعقّدة ما إن يتغير أحد عناصرها حتّى تتأثر كل العناصر الأخرى وبصورة كارثية، وهو ما نراه يحدث الآن، يمتد ذلك بداية من الأمور المتعلقة بدرجات الحرارة مرورا بالتأثير في البنى الاجتماعية والاقتصادية للأمم، وصولا إلى الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية!

لكن أكثر ما يتأثر بضربات التغير المناخي هو الماء، حينما ترتفع معدلات درجات الحرارة ترتفع معها نسب الجفاف. دعنا في تلك النقطة نركز بشكل أكبر على المنطقة التي نعيش بها، شمال أفريقيا والشرق الأوسط (الوطن العربي)، بحسبتقرير الموارد العالمي (World Resource Institute)، فإنه بحلول العام 2040 ستواجه 33 دولة في العالم، 13 منها عربية، بسبب التغيرات المناخية، مخاطر الوقوع تحت الفقر المائي الشديد، بحيث تتعرض لفارق بين إمكاناتها المائية وحاجتها إلى المياه يصل إلى 80% (تونس، المغرب، الجزائر، سوريا، الأردن، العراق، اليمن، ليبيا، فلسطين، الإمارات، البحرين، الكويت، قطر).

في الواقع، لا يعرف الكثيرون أن ندرة المياه هي ملمح بيئي مميز للمنطقة التي نعيش فيها، بل يمكن القول إن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي -حسب اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC)-  المنطقة الأكثر ندرة في المياه على مستوى العالم، تحتوي فقط على 1% من موارد العالم المائية بينما تمتلك أكثر من 5% من سكان العالم، وتصل حصة الفرد من الماء العذب، في المتوسط، إلى أقل من 1000 متر مربع سنويا، مع توقعات بانخفاض قدره 40% بحلول العام 2030، مقارنة بمتوسط عالمي يتخطى حاجز 6000 متر مربع.

في تلك النقطة قد تسأل: هل هناك حلول، أم أن النهاية قد حانت؟ في الحقيقة، فإن البشر كانوا دائما قادرين على ابتكار أعجب الحلول وأكثرها إبداعا، ما إن تعطي الفرصة للعقول البشرية الحالمة حتّى تهطل الحلول كأمطارٍ استوائية، لكن ما نواجهه من مشكلات في الأمر المتعلق بالتغير المناخي تحديدا، وهو ما يصب بالتبعية في كل المشكلات الأخرى التي يواجهها كوكب الأرض، ونحن معه، هو أن الخلاف في أمر التغير المناخي ليس علميا، بل هو سياسي.

على سبيل المثال، تهدف اتفاقية باريسللمناخ، بشكل مبسط، إلى حد ارتفاع متوسطات درجات الحرارة عند 2 درجة مئوية، بمعنى أنه سيسمح للنشاط الأرضي أن يستمر في تلك الحدود فقط، بعد ذلك ستبدأ عملية الإيقاف. تهدف الاتفاقية كذلك إلى دعم اقتصادات الدول النامية التي تتأثر أكثر ما يكون بالتغير المناخي والتي لا تساهم بقدر يُذكر في إحداثه، وتهدف -في خطوة ثالثة- إلى دعم البحث العلمي في هذا المجال لكشف أسبابه وتطوراته وإمكانية تجاوزه، إلى الآن وقّعت كل دول العالم على الاتفاقية، عدا أكبر دولة تتسبب في نفث أسباب الاحترار العالمي إلى الغلاف الجوي، هل تراها في الخارطة المرفقة؟

دولة واحدة فقط لم توافق على اتفاقية التغير المناخي في باريس، هل تراها؟

هنا في الوطن العربي، نحن موعودون بتأثيرات مستقبلية قاسية، لا يتحدث فيها الناس بقدر حديثهم في أخبار الكرة مثلا، لكن ذلك لا يمنعها أن تلتهمهم ببطء شديد في مرحلة ما! لقد قد بدأ البعض من تلك التأثيرات بالفعل في ضربنا، وبتأمل بسيط لتصريح وكالة ناسا قبل عدة سنوات أن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تعاني من موجة جفاف هي الأكثر قسوة في ألف سنة مضت، ستفهم ما أقصد. لذلك انضمت كل الدول العربية إلى اتفاقية باريس، كانت المغرب هي أولى الدول العربية التي وافقت على الاتفاقية وتلتها الدول العربية كلها خلال العام 2016.

تطلق المنطقة العربية 5% فقط من الغازات الدفيئة المتسبّبة في احترار الكوكب، رغم ذلك فإنها الأكثر قابلية للتأثر بضربات التغير المناخي، أنا وأنت والسيدة هناك والصديق في المتجر والأخ في الجامعة والعم في الدولة المجاورة يحاول جمع القوت لأطفال صغار، نتعرض لإحدى أخطر الحوادث في تاريخ الكوكب، فقط لأن أحدهم يجادل -ما زال- حول إن كان ما يحدث هو من تأثير البشر أم لا. لكن الطبيعة لا تستمع للجدل، الطبيعة تستجيب للتغير بأقسى الصور، شئت أم أبيت.

https://aja.me/lw8v5

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *